ملخص المقال
أم سفيان الثوري تُعد من أعظم الأمهات، وهي واحدة من أجلِّ النساء، بل واحدة من أعظم علماء الفقه والحديث.
في هذا المقال سوف نتحدث عن واحدة من أجلِّ النساء، بل واحدة من أجلِّ وأعظم علماء الفقه والحديث، نعم لا نعرف اسمها ولكن نرى ثمرة عملها، نتحدث في هذا المقال عن أم سفيان الثوري، والتي تُعد من أعظم الأمهات، لا نعرف قيمة هذه الأم إلا بالاطلاع قليلًا على قدر سفيان الثوري عند العلماء: فعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ[1]، وَقَالَ شُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُم: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ[2].
وأمير المؤمنين في الحديث هي درجة لا ينالها إلا من فاق في الحفظ والإتقان في علم الحديث، وقد حصل على اللقب عددٌ محدود من علماء الحديث، منهم: سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم بن الحجاج.
في المقارنات يأتي سفيان الثوري على الأغلب أعلى من غيره:
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَتَبتُ عَنْ أَلفٍ وَمائَةِ شَيْخٍ، مَا كَتَبتُ عَنْ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ[3]، قال: يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ[4]: مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ. فَقِيْلَ لَهُ: فَقَدْ رَأَيتَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بن أدهم، وَعَطَاءً بن أبي رباح، وَمُجَاهِداً بن جبر، وَتَقُوْلُ هَذَا؟ قَالَ: هُوَ مَا أَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَنْ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَتَّى تَمُوْتَ، وسُئل أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الإِمَامُ؟ الإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ فِي قَلْبِي، ويقول الفُضَيْلُ: كَانَ سُفْيَانُ -وَاللهِ- أَعْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَقَالَ ابْنُ رَاهَوَيْه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ ذَكَرَ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكاً، وَابْنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ: أَعْلَمُهُم بِالعِلْمِ سُفْيَانُ، الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ قِيْلَ: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاً يَقُوْمُ فِيْهَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، لاَختَرتُ لَهُم سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وقال وكيع بن الجراح: «كان سفيان بحرًا»، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: إِنِّيْ لأَرَى الرَّجُلَ يَصحَبُ سُفْيَانَ، فَيَعْظُمُ فِي عَيْنِي[5].
أبو سفيان كان من رواة الحديث، وكذا أخوته المبارك وعمر
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري: وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ اتِّفَاقاً، وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ بِاعتنَاءِ وَالِدِه المُحَدِّثِ الصَّادِقِ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ ثِقَاتِ الكُوْفِيِّيْنَ، وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. مات في عام 126هجرية حينئذ كان عمر سفيان 29سنة.
كان سفيان الثوري من عائلة فقيرة زاهدة، وكان لابد له من العمل كان يكفي شيئًا من مؤنة الأسرة، لكن الآمال المعقودة عليه كانت كبيرة لظهور نبوغه اللافت من طفولته: وُلِد بخراسان وفيها عاش طفولته ثم عاد إلى العراق، وعاش بالكوفة، قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنَا أَبُو المُثَنَّى، قَالَ: سَمِعْتُهُم بِمَرْوَ يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ، قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ. فَخَرَجتُ أَنظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ غُلاَمٌ قَدْ بَقَلَ وَجْهُهُ[6]، وقال الوليد بن مسلم قال: رأيت الثوري بمكة يُسْتَفْتَى ولما يخط وجهه بعد!
رَأَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ مُقْبِلاً، فَقَالَ: {وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً} [مَرْيَمُ: 12].
التفوق والنبوغ يحتاج تفرُّغًا:
1- المكوث طويلًا عند العلماء
2- قضاء وقت طويل في المذاكرة والحفظ
3- تكثير عدد الشيوخ
4- الرحلة في طلب العلم
أبوه وضعه على الطريق لكن لا يستطيع إكمال المسيرة بالإنفاق الكامل عليه
هنا يأتي دور الأمِّ:
التاريخ لا يحفظ لأمِّ سفيان الثوري إلا موقفين، ولكن ما أروعهما:
1- قَالَ الثَّوْرِيُّ: لَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ الْعِلْمَ قُلْتُ: يَا رَبِّ إِنَّهُ لَابُدَّ لِي مِنْ مَعِيشَةٍ وَرَأَيْتُ الْعِلْمَ يُدْرَسُ فَقُلْتُ: أُفرِّغُ نَفْسِي لِطَلَبِهِ، وَقَالَ: وَسَأَلْتُ رَبِّي الْكِفَايَةَ وَالتَّشَاغُلَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَمَا رَأَيْتُ إِلَّا مَا أُحِبُّ إِلَى يَوْمِي هَذَا.
قال وكيع بن الجراح (من تلامذة سفيان): قالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي!
2- وقال وكيع: قَالَتْ أم سُفْيَان الثَّوْرِي لسفيان: «يا بني، إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تَرَ ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك»[7].
بهذه الطريقة: وصل عدد شيوخ سفيان 600 أو أكثر، قرأ القرآن عرضًا على حمزة الزيات[8]أربع مرات، وتحوَّل التلميذ إلى أستاذ لبعض شيوخه!، كان عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ الكوفي يَجِيْءُ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، يَسْتَفْتِيْهِ، وَيَقُوْلُ: يَا سُفْيَانُ! أَتَيْتَنَا صَغِيْراً، وَأَتَيْنَاكَ كَبِيْراً[9].
وظلَّ سفيان على هذه الحالة الطالبة للعلم إلى وفاته في عام 161هـ، وعمره حينئذ 63عامًا، قيل لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: إِلَى مَتَى تَطلُبُ الحَدِيْثَ؟ قَالَ: وَأَيُّ خَيْرٍ أَنَا فِيْهِ خَيْرٌ مِنَ الحَدِيْثِ، فَأَصِيْرُ إِلَيْهِ؟ إِنَّ الحَدِيْثَ خَيْرُ عُلُوْمِ الدُّنْيَا.
رضي الله عن أم سفيان الثوري ورحمها، فقد كانت سببًا في تقديم هذه النابغة للأمة الإسلامية، وقد صارت هذه الأم قدوةً ومثلًا للرجال قبل النساء في الاهتمام بعلم الأبناء، وبالتضحية من أجل التفوُّق فيه[10].
[1] محمد الخضر الشنقيطي: كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ= 1995م، 2/ 186.
[2] درجة أمير المؤمنين هي السادسة والأخيرة، وقبلها: 1- المسنِد 2- المحدِّث 3- الحافظ 4- الحجَّة (300 ألف حديث) 5- الحاكم
[3] النووي: تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1/ 222.
[4] يونس بن عبيد: أحد أئمة الحديث في البصرة.
[5] الذهبي: سير أعلام النبلاء، مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 7/ 238- 269.
[6] (بالكاد بدأ الشعر يظهر فيها)
[7] ابن الجوزي: صفة الصفوة 3/189.
[8] حمزة الزيات: أحد القرَّاء السبعة.
[9] عاصم بن بهدلة: هو من الأعلام، ومن التابعين الثقات، وهو من أشهر القرَّاء، وهو الذي قرأ عليه حفص بن سليمان، وهي أشهر القراءات للقرآن الكريم: حفص عن عاصم.
[10] لمشاهدة الحلقة على اليوت يوب اضغط هنا: أم سفيان الثوري والتضحية لتعليم الأبناء
التعليقات
إرسال تعليقك